11392 V 27500
لا يمكن لمن يقرأ تاريخ سورية الحديث إلا أن يقف بكل الإجلال والاحترام والتقدير لذكرى قائد تاريخي فذّ كان له دور بارز في نهضة سورية، وحجز مكانة وموقعاً إقليمياً ودولياً لها لا يتناسب مع مساحتها أو عدد سكانها أو حجم ثرواتها وإمكانياتها، إنه القائد المؤسس الراحل حافظ الأسد الذي تحل اليوم ذكرى رحيله الحادية والعشرين، ففي هذا اليوم الحزين العاشر من حزيران عام 2000 رحل بطل التشرينين وهو مطمئن لمستقبل سورية ومستقبل شعبها، مسلماً راية العزة والكرامة والمجد للسيد الرئيس بشار الأسد ليكمل مشوار النهضة والتنمية والإعمار والتحديث والتطوير في كل مجالات الحياة.
كانت حياة القائد الراحل حافلة بالإنجازات والانتصارات والمواقف المشرفة التي جعلت من سورية دولة محورية مؤثرة في السياسة الإقليمية والدولية والعربية، ففي السادس عشر من تشرين ثاني عام 1970 فجّر القائد الأسد حركته التصحيحية المباركة التي نقلت سورية نقلة نوعية في كل مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية..الخ، ولو حاولنا أن نحصي الإنجازات العظيمة التي تحققت في عهده لاحتجنا إلى مجلدات ضخمة للوقوف عليها، ولكن في حياة كل قائد عظيم محطات فاصلة تلخص ما قدمه لشعبه وأمته، لا بد من تعداد بعضها إكراماً لذكراه العطرة.
كانت سورية في فترة الخمسينيات والستينيات تعاني من أوضاع سياسية تشبه الفوضى حيث الانقلابات العسكرية والانقسامات السياسية والصراعات الحزبية وعدم الاستقرار في منصب الرئاسة وفي باقي المواقع، وهو ما أثر سلباً على مؤسسات الدولة السورية وأعاق تقدمها بما يحقق مصالح الوطن والشعب، فانبرى القائد المؤسس بعد نجاح الحركة التصحيحية لإصلاح الحياة السياسية عبر تشكيل الجبهة الوطنية التقدمية التي تضم عدداً من الأحزاب على الساحة السورية، ثم تأسيس مجلس الشعب الذي وضع دستوراً دائما للبلاد، وكانت حرب تشرين التحريرية عام 1973 هي الحدث السياسي والدولي الأهم لأنها الحرب التي وضعت حداً للوهن والضعف والتفكك العربي وبدأت مرحلة من تحرير الأراضي العربية المغتصبة من قبل الكيان الصهيوني والرد على عدوان حزيران عام 1967، ولذلك أولى القائد الراحل قضيتي التضامن العربي والوحدة العربية كل اهتمام من أجل خوض هذه الحرب المجيدة وإصلاح الواقع العربي، ويسجل له أنه وحّد العرب وجمع قواهم وإمكانياتهم في هذه الحرب ليحطم الجيشان العربيان الباسلان السوري والمصري بمؤازرة أشقائهم العرب أسطورة الجيش الإسرائيلي "الذي لا يقهر" في الجولان وسيناء.
بعد انتصار حرب تشرين ونكسة خروج مصر من المعركة بصلح منفرد مع العدو الصهيوني واجهت سورية مؤامرات عدة كانت تستهدفها مباشرة، ومنها الحرب الأهلية في لبنان عام 1975 وتمرد تنظيم الإخوان المسلمين العميل أواخر السبعينيات داخل سورية، وقد نجح القائد المؤسس بإنقاذ لبنان ومساعدة شعبه على الخروج من المحنة الطويلة، وساهم بإعادة الاستقرار إلى لبنان وبناء مؤسساته، في حين كان للجيش العربي السوري شرف مواجهة الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 حيث قاتل أبناؤه قتال الأبطال إلى جانب المقاومة الوطنية اللبنانية إلى حين تم دحر الاحتلال الإسرائيلي في أيار عام 2000، كما استطاع الجيش العربي السوري العقائدي الذي أسسه القائد الأسد القضاء على التنظيم الإرهابي العميل ووضع حداً للجرائم البشعة التي ارتكبها بحق أبناء سورية على مدى أكثر من عقد.
في عام 1979 كان للقائد المؤسس موقف واضح وشجاع من الثورة الإسلامية في إيران كشف عن بعد نظر ورؤية ثاقبة للأمور، حيث أقام أفضل العلاقات مع الجمهورية الإسلامية في إيران لتثبت الأيام وخاصة حرب العشر سنوات صحة ودقة وصوابية هذا الموقف التاريخي، حيث كانت إيران من أقرب وأوفى وأمتن حلفاء سورية في هذه الحرب الإرهابية الظالمة.
كما جعل القائد المؤسس من القضية الفلسطينية القضية المركزية للعرب وقام بدعم الشعب الفلسطيني بكل الوسائل الممكنة السياسية والعسكرية من أجل تحرير أرضه واستعادة حقوقه المسلوبة، وقد دفعت سورية أثماناً باهظة لقاء هذا الموقف المشرف، الذي أثبت جدواه على مر الأيام.
لقد كان للقائد المؤسس رؤية استراتيجية عميقة في العلاقات الدولية حيث بنى تحالفات سورية وعلاقاتها على أساس
المصلحة الوطنية حين أقام أفضل العلاقات مع الاتحاد السوفييتي السابق ووريثته روسيا الاتحادية، وهو ما انعكس قوة ومتانة وثباتاً للموقف السوري وتعزيزاً لمكانة الدولة السورية في كل القضايا المطروحة ولا سيما ما جرى خلال السنوات الماضية.
لا شك أن القائد المؤسس حافظ الأسد خلال ثلاثين عاماً من تسلمه دفة القيادة في سورية قد أولى الشأن الداخلي كل اهتمام ورعاية، حيث غدت سورية في عهده ورشة عمل وبناء وتنمية ونهضة وازدهار في كل مجالات الحياة، وهو ما جعلها دولة مستقلة ذات مواقف صلبة وواضحة، وهو ما ساعدها على ا
لانتصار في هذه الحرب الإرهابية التي شنت عليها قبل عشر سنوات، إذ لولا البناء الراسخ الذي أرساه في كل الميادين لما تمكنت سورية من الصمود والمواجهة وقد تكالبت عليها كل قوى الشر والعدوان والإرهاب في السنوات العشر الماضية.
عبد الحليم سعود: