11392 V 27500
إذا كانت هناك أخطاء قد توصف بأنها «حميدة»، فإنّ خطأ الرئيس بشار الأسد يأتي ضمنها، إذ كشف إيهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق في تصريحات لقناة «روسيا اليوم» بتاريخ 4 مايو 2021، أنّ الخطأ الذي ارتكبه الرئيس الأسد هو أنه لم يعقد اتفاق سلام مع إسرائيل عام 2008، وأنه لو وقّع الاتفاق لجنّب نفسه ما أسماه الحرب الأهلية في سوريا، حسب وصفه.
وعدّد مزايا الاتفاق بأنه كان سيفيد الأسد وإسرائيل، وستكون سوريا بموجبها مرتبطة دبلوماسيّا مع تل أبيب، «وبدون أدنى شك فإنّ السلام يستتبع فتح الحدود وعلاقات تجارية وتبادل سفارات». وتحدث عن أنّ الرئيس بوش أخبره أنّ «الأسد إذا أراد أن تنفتح عليه الولايات المتحدة وأوروبا، عليه أن يبدأ الطريق من القدس».
أعتقدُ أنّ تصريح أولمرت حول ما اعتبرَه خطأ الرئيس الأسد يلخِّص ما جرى في سوريا ولسوريا منذ عام 2011 وحتى الآن، إذ كان المطلوب هو الاستسلام والانضمام إلى القافلة، إلا أنّ سوريا ظلت صعبة وتمسكت بالثوابت التي تؤمن بها، حتى بدأت الحرب الكونية عليها، وقاطعتها الدول العربية وجمّدت عضويتها في جامعة الدول العربية، في موقف أشبه بنكتة سمجة، إذ كيف يمكن لسوريا التي حملت لواء العروبة ألا تكون عضوًا في جامعة الدول العربية، وهي من المؤسسين الرئيسيين.
ليس مصادفة أنّ كلَّ من رفض السير في طريق الاستسلام، كان مصيره صعبًا، والغريبُ في الأمر أنّ معظم من وصِموا بلقب «ديكتاتور» من الحكام العرب كان موقفهم ضد التطبيع مع إسرائيل مشرّفًا وثابتًا، وهكذا كان حافظ الأسد، وصدام حسين، وعمر البشير، والقذافي، وقبلهم بالتأكيد الزعيم جمال عبدالناصر، لنعرف أنّ من يُطلق لقبًا كهذا إنما هي جهات لا ندري من خوّلها أن تصنِّف للناس من هو الديكتاتور ومن هو البريء، فيما الحقيقة تُظهر أنّ هناك ديكتاتوريين حقيقيين كثيرين أكثر إجرامًا من هؤلاء، إلا أنّ القلم رُفع عنهم، لأنهم دخلوا بيت الطاعة الأمريكي والإسرائيلي كرهًا أو طواعية!
إنّ الذي يرى أنّ الأوضاع الداخلية في الأوطان العربية هي السبب الحقيقي وراء الثورات التي حصلت، أقول إنه محق في رأيه -وسبق لي أن كتبتُ الكثير من المقالات حول ذلك- ولكن لا يعني ذلك الحقيقة المطلقة، فمن رأى وجهة النظر تلك فقد رأى شيئًا وغابت عنه أشياء.
ولشرح ذلك نطرح التساؤل التالي في المسألة السورية: ماذا لو فعلها الرئيس بشار الأسد ومدّ يده إلى إسرائيل وظهر على الشاشات في الساحة الخلفية للبيت الأبيض أو في كامب ديفيد «المشؤومة» وبجانبه الرئيس الأمريكي وفي الجانب الآخر رئيس وزراء الكيان الصهيوني، وفعل مثلما فعل الآخرون، هل كانت سوريا ستتعرض للحرب الكونية عليها؟ بل أتجرأ وأقول إنّ ما يُسمّى بالعالم الحر، كان سيمنح الرئيس السوري تفويضًا لقتل نصف الشعب السوري دون أن ينبس ببنت شفة، وكان العالم الحر سيعطي لبنانَ لسوريا تحت مسميات كثيرة، وكان لقب الدكتاتور قد اختفى عن الرئيس بشار.
لا أحد ينكر أنّ هناك أخطاء بل خطايا داخلية كثيرة في سوريا -حالها كحال أي بلد عربي- لكن من الخطأ أن نرى جهة واحدة من العملة ونتجاهل الجهة الأخرى، وللأسف هذا ما يفعله الكثيرون عندما يتناولون المسألة السورية، فقد يتحدّثون بالساعات عن الأوضاع السورية السيئة، لكنهم لا يرون مئات الآلاف من البشر الذين أتوا من كلِّ فج عميق لتدمير سوريا على حساب الكيان الصهيوني، وعندما تناقشهم في ذلك وتقدّم لهم الدلائل فإنهم يبحثون عن التعليلات، فسوريا في الواقع تدفع ثمن موقفها الثابت تجاه إسرائيل، وهذا الموقف ليس جديدًا في عهد الرئيس بشار، بل هو موقفٌ ثابتٌ حتى أيام الراحل حافظ الأسد، الذي شهد له الأعداء قبل الأصدقاء ثباته في مبادئه تجاه إسرائيل.
وأعتقد أنه من المناسب أن أشير إلى تصريح شبتاي شفيط رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي الأسبق الذي قال: إنّ جملة «أريد أن أضع قدميّ في بحيرة طبرية»، منعت توقيع اتفاق سلام بين سوريا وإسرائيل.
ففي حوار مع صحيفة «زمان يسرائيل»، أنه في يناير عام 1994، بعد لقاء بين الرئيس حافظ الأسد ونظيره الأمريكي بيل كلينتون، طلب منه إسحاق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، معرفة مدى إمكانية توقيع اتفاق سلام مع سوريا.
وأكد شفيط أنّ رابين أرسله إلى العاهل المغربي الراحل، الملك الحسن الثاني، لـ«يجس نبض» الرئيس الأسد، فكان رد الملك، أنّ الأسد يريد أن «يضع قدميه في بحيرة طبرية»، مشيرًا إلى أنّ هذه الجملة حالت دون إتمام اتفاق سلام بين سوريا وإسرائيل.
ومثلما رأى أولمرت أنّ سوريا لو وقّعت اتفاق سلام مع إسرائيل لكان شأنها تغيّر، فإنّ رئيس الموساد الأسبق، يذهب إلى الرأي نفسه، عندما قال «لو استمر مسار التفاوض مع سوريا لكان تاريخُها قد تغيّر تمامًا، ليس بشأن علاقتها مع إسرائيل فحسب، وإنما تاريخ سوريا نفسها أيضًا».
ولفت شبتاي شفيط إلى أنّ رفض الرئيس حافظ الأسد التوصل لاتفاق سلام مع إسرائيل، دفع بالأخيرة إلى التوجه لاتفاق آخر مع الفلسطينيين، حيث قال رابين: «دعونا نعود إلى الفلسطينيين»، وهي عبارةٌ تدل على أشياء كثيرة، منها أنّ الكيان الإسرائيلي مهتمٌ بالعلاقة مع سوريا، وفي حالة إقامة هذه العلاقة فإنّها ستكون على حساب القضية الفلسطينية، وهي القضية التي تنازلت عنها بعض الدول العربية التي ليس لها ناقة ولا جمل فيها.
هناك نقطة تطرّق إليها أولمرت في حديثه عن المفاوضات السورية-الإسرائيلية التي فشلت أكثر من مرة، وأرى أنه من الأفضل أن أشير إليها، لأنّ هناك من يرى الصورة على غير حقيقتها، فقد قال: إنّ المفاوضات أجريت حينها في إسطنبول وكانت غير مباشرة، وأنّ وزير الخارجية التركي آنذاك أحمد داوود أوغلو، كان وسيطًا بين الطرفين، مضيفًا «إن الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان لعب دور وساطة أيضًا في المفاوضات بين الجانبين»، وهذه العبارة تشرح الكثير عن تركيا وموقفها الحالي تجاه سوريا، وتدخلاتها في الشأن السوري الداخلي، وكذلك تقدّم لمحة مضيئة عن الرئيس التركي، الذي يرفرف علمُ بلاده في تل أبيب، فيما شهدت الأربعة الأشهر الأولى من عام 2021، ارتفاع صادرات تركيا إلى إسرائيل إلى مليار و851 مليون دولار، بزيادة قدرها 35% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، حسب البيانات الرسمية الصادرة عن معهد الإحصاء التركي، وجمعية المُصدِّرين الأتراك والبنك المركزي التركي، ممّا يعني لا ينبغي الالتفات إلى التصريحات النارية التي يطلقها الرئيس أردوغان ضد إسرائيل بين حين وآخر.
لقد فشلت كلّ محاولات تركيع سوريا للاستسلام وقبول شروط إسرائيل، لذلك كانت الحرب الكونية على سوريا، شارك فيها العرب والأتراك في المقدمة، لأنّ الموقف السوري العنيد وقف حجرة عثرة أمام أحلام الصهاينة، ولو أنّ سوريا وقّعت على معاهدة سلام مع الكيان الصهيوني لما احتاج هذا الكيان أن يُقيم علاقات مع دول عربية أخرى أو مع الفلسطينيين، لأنّ سوريا تمثل الثقل العربي.
ومن السذاجة بمكان، الاعتقاد بأنّ العالم مهمومٌ بمصير الشعب السوري أو مصير أيّ شعب عربي آخر، وإنما الهمّ هو ضمان أمن إسرائيل ولا غير ذلك.
صمدت سوريا حتى الآن، وهي منهكة من الداخل، والسؤال هو ما مدى قدرتها على الصمود بعد كلِّ ما جرى لها؟ ولو فعلها الرئيس بشار الأسد أو حافظ الأسد من قبل وصافحا هل كان ما جرى لسوريا قد جرى؟.
بقلم: زاهر بن حارث المحروقي