11392 V 27500
“إذا نظرنا إلى الشرق الأوسط، لو لم تكن هناك “إسرائيل”، لكان على أمريكا خلق “إسرائيل” لحماية مصالحها في المنطقة، هي أفضل استثمار قمنا به”، تصريح للرئيس الأمريكي جو بايدن عام 1986 عندما كان عضواً في مجلس الشيوخ، يلخص سياسة واشنطن تجاه الاحتلال الإسرائيلي على مدى عقود.
بايدن أعاد التصريح ذاته “لو لم تكن هناك (إسرائيل) لاخترعناها”، خلال زيارته كيان الاحتلال في الـ 18 من تشرين الأول الماضي، غداة مجزرة مستشفى المعمداني في غزة التي ارتكبها الاحتلال مستخدما قنابل أمريكية وراح ضحيتها نحو 500 شهيد فلسطيني ومئات الجرحى، ضمن حرب الإبادة التي بدأها على القطاع في السابع من الشهر ذاته.
وفي الوقت الذي كان المجتمع الدولي ينتظر من الولايات المتحدة موقفاً حازماً تجاه تصريح الوزير في حكومة الاحتلال عميحاي إلياهو قبل يومين، والذي قال فيه: “لا أبرياء في غزة وإلقاء قنبلة نووية عليها احتمال ممكن”، اكتفت واشنطن بموقف خجول وقالت: “إن التصريح غير مقبول”، رغم الرفض الدولي الواسع للتصريح، والمطالبة بالكشف عن برنامج الاحتلال النووي.
وبعد ساعات من تصريح الوزير الإرهابي أعلنت القيادة المركزية العسكرية الأميركية، وصول الغواصة النووية من طراز “أوهايو” إلى البحر المتوسط لحماية قواتها في المنطقة ودعم الاحتلال، بينما ذكرت شبكة “سي إن إن” أنه من النادر أن ينشر البنتاغون معلومات عن تحركات أو عمليات أسطوله من الغواصات الباليستية والصواريخ الموجهة، حيث تخضع السفن التي تعمل بالطاقة النووية لسرية شبه كاملة كجزء من الثالوث النووي الأمريكي، بجانب مخازن الصواريخ الباليستية العابرة للقارات والقاذفات الإستراتيجية.
وانضمت الغواصة الجديدة، إلى العديد من السفن الأمريكية الحربية الموجودة في المنطقة، بما فيها حاملتا الطائرات “جيرالد فورد” التي وصلت بعد ثلاثة أيام من بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع، و”دوايت إيزنهاور” التي وصلت السبت الماضي، لحماية كيان الاحتلال وتهديد دول المنطقة، وهو ما جدد بايدن تأكيده أمس خلال اتصال هاتفي مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، حيث قال منسق الاتصالات الإستراتيجية في البيت الأبيض جون كيربي: “إن الرئيس أوضح، في محادثة مع نتنياهو، أن واشنطن مستمرة بتقديم الدعم لـ “إسرائيل”، وستواصل ضمان حصولها على كل الأدوات والوسائل اللازمة”.
الدعم الأمريكي غير المحدود للاحتلال في عدوانه الحالي على غزة، حلقة في سلسلة طويلة من الانحياز الأمريكي منذ “وعد بلفور” المشؤوم قبل 106 أعوام، الذي أسفر عن إقامة الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين قبل 75 عاماً، لتكمل واشنطن اليوم دورها المستمر على مدى أكثر من قرن في دعمها، باعتبارها رأس حربتها في خاصرة المنطقة، رغم معارضة أعضاء في الإدارة الأمريكية ذاتها لهذا الدعم الأعمى، واستقالة عدد منهم، إضافة إلى الرفض الشعبي له والذي عبرت عنه المظاهرات الحاشدة في عدد من الولايات والمدن، رغم تضييق السلطات الأمريكية.
دعم واشنطن العسكري للاحتلال ترافق مع دعم اقتصادي بمئات مليارات الدولارات، وآخر سياسي دون أي اعتبار لحقوق الشعب الفلسطيني، وآلاف الشهداء الذين ارتقوا في مجازر الاحتلال الوحشية، وتمثل ذلك باستخدامها “الفيتو” 45 مرة في مجلس الأمن آخرها في الـ 18 من الشهر الماضي، ضد مشروع قرار برازيلي، وعرقلتها مشروعي قرارين روسيين، لوقف فوري للعدوان الإسرائيلي، وإعلان هدنة إنسانية، وضمان وصول المساعدات، إضافة إلى إجهاضها على مدى السنوات السابقة أي قرار أممي يدين جرائم الاحتلال، وقيامها بتوفير الحماية له لعدم تنفيذ أي قرار، الأمر الذي وجد فيه تشجيعاً على مواصلة اعتداءاته.
ووصل الأمر في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، إلى فرض عقوبات سياسية واقتصادية على الدول التي تصوت ضد “إسرائيل” بل انسحبت واشنطن من مؤسسات تابعة للمنظمة الدولية، وأوقفت دفع حصتها في تمويل تلك المؤسسات، لأنها اتخذت قرارات ضد كيان الاحتلال، الذي هدد مع واشنطن خلال العدوان الحالي مسؤولي المنظمات الأممية، لمنعهم من الحديث حول جرائمه بحق الشعب الفلسطيني، وهذا ما دفع مدير مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع
للأمم المتحدة في نيويورك كريغ مخيبر إلى الاستقالة، احتجاجاً على طريقة تعامل الهيئات الأممية مع العدوان الإسرائيلي، مؤكداً أن ما يحدث في غزة إبادة جماعية، والأمم المتحدة عاجزة عن وقفها، وهيئات رئيسية فيها استسلمت للولايات المتحدة و”إسرائيل”.
منذ زرع الكيان الإسرائيلي الغاصب على أرض فلسطين عام 1948، يؤكد كل رئيس أمريكي بعد تنصيبه التزامه بـ “أمن إسرائيل”، وهو التزام غير مرتبط بالحزب الحاكم، بل بالإستراتيجية والسياسة العامة لأمريكا، التي تقف سداً في وجه كل المحاولات الدولية الهادفة إلى إنصاف الشعب الفلسطيني وإنهاء الاحتلال وإقامة دولته المستقلة، لذلك لم يفتر دعم الولايات المتحدة لـ “إسرائيل”، التي لو لم تكن موجودة لاخترعتها.
سانا